الجمعة، 27 مايو 2016

& الغنوشي يُقدم على المغامرة الاكثر خطورة في تاريخه السياسي بالتخلي عن “الاخونة” والاندفاع نحو الليبرالية.




MAY 26, 2016
الغنوشي يُقدم على المغامرة

الاكثر خطورة في تاريخه السياسي بالتخلي عن “الاخونة” والاندفاع نحو الليبرالية.. فما هي احتمالات الربح والخسارة؟ وهل ستحدث انشقاقات في النهضة؟ وهل الرهان على السبسي مضمون النتائج؟


اقدم الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي على اكبر “مغامرة” في تاريخه السياسي والدعوي، عندما قاد حركته في اتجاه مغاير تماما لاصولها العقائدية والايديولوجية، وقرر تحويلها الى حزب سياسي “مدني”، على غرار حزب “العدالة والتنمية” التركي، تمهيدا للوصول الى سدة الحكم في تونس، وبالتحديد في الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2019، خاصة لعدم وجود منافس حقيقي حتى الآن، فالشيخ راشد من اشد المعجبين بالتجربة التركية وزعيمها رجب طيب اردوغان.


مؤتمر حركة النهضة العاشر، الذي اختتم اعماله يوم الاثنين الماضي، مهد لهذه النقلة الكبرى الى الحكم باتخاذ عدة قرارات “محورية” مفاجئة، ابرزها فصل السياسي عن الدعوي، او الفصل بين المسجد والحكم، وتوسيع قاعدة العضوية بتخفيف شروطها، ومن بينها شرط الالتزام، الديني لجذب اصوات وتوجهات جديدة، وتغيير الاولويات الايديولوجية والسياسية، من حيث التخلي عن اولوية التركيز على الهوية العربية والاسلامية لمصلحة هوية “تونسية” اكثر براغماتية وليبرالية، والتركيز على القضايا التي تهم المواطن مثل الوظائف والامن، ومحاربة الارهاب والفساد، واصلاح الترهل الوظيفي.


انتخابات البرلمان عام 2014 شهدت اول بوادر هذا التحول، عندما تبنت حركة النهضة العديد من المرشحين الليبراليين الذين لا يتمتعون بعضويتها، وفاز ستة منهم بمقاعد في البرلمان تحت لائحتها، واشتركت (النهضة) في الحكومة الائتلافية التي منحتها الثقة، بحقيبة واحدة فقط، وهي حقيبة العمل الوزارية، وهي اصعب الوزارات، واقلها فرصا للنجاح في بلد فيه مليون عاطل، والهدف هو الحرص على دعم استقرار البلاد.
كان لافتا ان الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي حرص على حضور المؤتمر والقاء الكلمة الرئيسية، وقوبل بعاصفة من الهتاف والتصفيق من الاعضاء الحاضرين، وهذه سابقة في العمل السياسي والحزبي، فمن المفترض ان حركة “النهضة” حركة معارضة لحزب “نداء تونس″ الحاكم الذي اسسه ويتزعمه “ضمنيا” الرئيس السبسي.


هذا “التفاهم” بين الرئيس السبسي والشيخ الغنوشي هو الذي اوصل تونس الى بر الامان، وجنبها ما مرت به دول اخرى من حالات من عدم الاستقرار والانهيار الاقتصادي بالتالي، والثورات المضادة، حسب راي الكثير من المراقبين.
عندما التقى رئيس تحرير هذه الصحيفة “راي اليوم” السيد الباجي قايد السبسي في منزله المتواضع الملحق بقصر قرطاج في ايار (مايو) 2015، وسأله عن طبيعة العلاقة التحالفية التي تربطه بالشيخ الغنوشي، اجاب بقوله:

 ان “حركة النهضة هي غير صورتها في الخارج، وانا اوضحت للغربيين في كل زياراتي الخارجية مدى اعتدالها وواقعيتها، وقلت للشيخ الغنوشي بكل صراحة ووضوح، امامكم احد خيارين، اما هدوء واستقرار تونس واخراجها من عنق الزجاجة، واما تكرار التجربة المصرية، واكد انه وجد تفهما وتعاونا كليين من الشيخ الغنوشي في هذا المضمار، وان الغنوشي اختار الخيار الاول، وظل وفيا لتعهده”.

الرئيس السبسي قال في كلمته انه تردد في حضور مؤتمر النهضة العاشر، ولكنه قرر المشاركة رغم الانتقادات الكثيرة، وكان ابرز ما قاله في كلمته الرئيسية ان “العبرة بالاعمال.. والتطبيق العملي الميداني بمباديء التغيير التي تبنتها الحركة”، وهذا “تحذير” مبطن للحركة من ان قراراتها تواجه بالكثير من التشكيك في اوساط تونسية عديدة.

فوز الشيخ الغنوشي واستمراره كرئيس لدورتين لحزب النهضة، هو استفتاء على زعامته، والتغييرات التي يقف وراءها، فقد حصل على 80 بالمئة من الاصوات، وهذا يعني ان هذه الاغلبية الساحقة تؤيد الابتعاد عن الاسلام السياسي، وقطع العلاقة مع حركة “الاخوان المسلمين”، ووضع مصلحة تونس وشعبها فوق كل الاعتبارات الاخرى، وادارة الظهر كليا لماضي الحركة، وفتح صفحة جديدة.

سيد الفرجاني، احد ابرز قياديي التوجه الجديد للحركة، لخص الامر بكلمات معدودة، وهي ان النهضويين يخشون من الثورة المضادة مثلما حصل في مصر، التي قد تعيدهم الى السجون او المنافي، ونسب اليه قوله “الاسلمة ليست الايديولوجية والمنهاج الصالح للحكم.. الاسلمة لغة جيدة للمعارضة”.

من المؤكد ان هذا التحول الجذري سيؤدي الى حدوث انقسامات في حركة النهضة، وخروج التيار المتشدد من تحت عبائتها، خاصة بعد توسيع دائرة العضوية فيها، واضافة مئة مادة جديدة الى ميثاقها الداخلي، ومنع اعضاء مجلس الشورى فيها من القيام بأي اعمال دعوية (الخطابة في المساجد)، او الانضمام الى اي منظمات خيرية، ومن المتوقع ان يخرج منها حوالي خمس الاعضاء على الاكثر، وقد يكون على رأسهم الشيخان صادوق شورو، وحبيب اللوزي، لانهما يفضلان الاستمرار في دورهما الدعوي، ولكن وفي ظل السياسة الانفتاحية الجديدة سيتم تعويض هؤلاء المتوقع انشقاقهم بعدة اضعاف في العامين القادمين.

انها “مغامرة” خطرة جدا يقدم عليها الشيخ الغنوشي، تعكس شجاعته وصلابته، ولكنها مغامرة محفوفة بالمخاطر، فحليفه الرئيس السبسي متقدم في السن (87 عاما)، والمجتمع المدني التونسي لا يثق كثيرا بحزب النهضة، ولا يأخذ هذه التغييرات بجدية، ويشكك فيها، والمرأة التونسية تلعب دورا كبيرا في الحياة السياسية، وهي التي اوصلت الرئيس السبسي الى قصر قرطاج (فاز بمليون و800 الف صوت من بينها مليون و200 الف صوت للنساء)، ونسبة محدودة من النساء صوتت لحزب النهضة.
ومن المفارقة ان هذه “المغامرة” ستغضب الكثير من الاسلاميين المتشددين وحركة “الاخوان المسلمين” ومنتسبيها، ولن ترضي في الوقت نفسه الكثير من الليبراليين، والتونسيين منهم خاصة.

من الصعب اطلاق احكام مسبقة على هذا التحول غير المفاجيء في ايديولوجية حركة “النهضة” واولوياتها السياسية والعقائدية، فالقرارات التاريخية تخلق اعداء واصدقاء، ونعتقد في هذه الصحيفة ان الشيخ الغنوشي كسب من الاصدقاء اضعاف ما خسره من الاعداء.

“راي اليوم”

هناك 3 تعليقات:

  1. كره من جدكم يا الحيوانات ... دايرين كي ززببي

    ردحذف
  2. (الشيخ الغنوشي كسب من الاصدقاء اضعاف ما خسره من الاعداء.)
    الصديق هو من يقبلك كما أنت,على هويتك و اختلافك لا من لا يريدك نسخة طبق الأصل منه :هجينا ممسوخا لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء , زد على ذلك أن المجال السياسي الوضعي (العلماني) بطبعته قذر,صراعي,ميدان للمؤامرات و الدسائس ...لا مجال لمقاربته بمفردات و مفاهيم الصداقة و النبل و الخير والأخلاق.و الإمعان في التنازل عن اللأصول و المبادئ المؤسسة مع الإستمرار في التشدق بالإنتساب للمرجعية الإسلامية هو من قبيل الإيمان ببعض الكتاب و الكفر ببعض ,و ما الإيغال في تبني البراكماتية السياسية سلوكا و توكيد الفصل بين الدعوي و السياسي و كذا تخفيف شروط العضوية إلا انحدار في مهاوي العلمانية و تسليم و إعمال لمقدماتها الفلسفية و المعرفية المادية و الميكيافيلية و رؤيتها التقنوية التجزيئية و الإختزالية للوجود, و بذلك يعد هذا التحول انهزامية و استلابا نضاليا و إديولوجيا و سياسيا وإهدارا للتمايز و الإختلاف و اللتعدد الحقيقي يؤول معه الحقل السياسي و المدني و الثقافي إلى النمطية و الأحادية و القولبة المفرغة , المعومة و المموهة في نظام و شكل سياسي مفرغ المضمون ظاهره التعدد و الإختلاف و باطنه الإقصاء و اللأحادية و هيمنة الرؤية و المشروع الواحد , فهل يكون حزب النهضة بهذا التحول قد خطا خطوته الحاسمة نحو التخلي عن مشروعه و هويته وإهدار رصيده النضالي و التاريخي و التماهي مع مشروع الهيمنة و الإلحاق اللبرالي و العلماني المشدود إلى مراكز وإرادات القوة الإمبريالية الغربية و إرادات العلو في الأرض و الفساد داخليا و خارجيا ؟ ألسنا نشهد حالة من حالات احتواء الشكل السياسي العام للمضمون الإسلامي ؟ ألا يؤدي تجاهل و استصغار تأثير و دور السياق الشمولي و النظام العام في تحديد المعنى و اعطاء الأدء السياسي وغيره قيمته و جدواه؟ ألا يجدر بالأحزاب الإسلامية أخذ هذه الحقيقة على محمل الجد؟ أليس للشروط العامة للعمل من شكل و طبيعة آليات عمل و كذا لأسلوب عمل و إنتاج المؤسسات و النظام السياسي العام و الفاعلين فيه بالغ الأثر في تحديد مصير الحزب و مخرجات عمله قيمة و جدوى حصيلته و أدائه؟ ألم يسقط حزب النهضة مثله مثل كثير من الأحزاب السياسية الإسلامية صريعة نظرة و مقاربة عملية سياسية براكماتية تبالغ في الإعلاء من شأن الأدوات و الوسائل و الأسباب على حساب المبادئ و الغايات ؟ ألم تعوزها حكمة إبصار الخيط الرفيع الفصل بين الواقعية و الوقوع السياسي و تحقيق التوازن بين الوسائل و الغايات؟ أليست الآفة و العلة في تضخم هاجس و إرادة الوصول إلى السلطة (و ماهي إلا أداة من بين أدوات)على حساب شروط و حجم و طبعة ممارستها مما يضيع في خضمه التوازن بين التاكتيكي و الإستراتيجي و بين الأداتي و الغائي مما تقدم معه هوية العمل الإسلامي و مبادؤه قربانا على مسالك و أعتاب طواغيت السلطة دون عرفان وينسى معه الأصل و الحسبان؟ أليس من دواعي و مقتضيات السقطة و الوقوع الغفلة عن أهمية و خطورة تأثير موازين القوى وكذا إرادات و نوايا و مشاريع و إديولوجيات الفاعلين السياسيين في تحديد مخرجات و حصيلة الأداء السياسي و مصير فرقائه ؟ما مدى نجاح الحزب الإسلامي و الفاعلين الإسلاميين في تعبئة و تجييش و توحيد الكفاءت و الطاقات و القوى ذات التوجه الإسلامي و اجتراح و تبني خطاب و سلوك جامع؟ هل الواقعية و المرونة و التسامح و التنازل يكون فقط مع الخصوم و المخالفين من الفرقاء السياسيين دون غيرهم من الجماعات و العاملين الإسلاميين؟ أليس أولئك أولى بالممانعة و المفاصلة و التمايز و العزة و البراء من هؤلاء؟ أليس من أهم مقومات و مقتضيات و أسباب القوة و الإعداد لهم الصدق في العهد مع الله تعالى و مع الناس و التمسك بالمبادئ و الأصول و الهوية و الإستماتة في الدفاع عن النظرة و المشروع دون تماه و ذوبان أو استعارة أو استبطان لنموذج و أدوات و مناهج الآخر؟ أليس كل تنازل إلا مدخلا و منزلقا لمزيد من التنازلات؟ و هل ترضى عنك الخصوم و الأعداء إلا أن تتبع ملتهم؟ أليس التحجح بمقتضى الأخذ بالمصلحة و انتهاج أسلوب الواقعية و التدرج و تقدير جدوى العمل من داخل النظام و باستغلال الإمكانات التي يوفرها المجال السياسي القائم أليس ذلك مجرد اتباع سراب و وهم في ظل الإنهزامية و ضعف الأداء وفي ظل عدم الأخذ بالمحاذير والشروط و الإعتبارات الآنفة الذكر؟ عندما تبهت و تضمحل و تنحط الممارسة يغدو استدعاء النموذج المثالي و التشدق بالنظرية مجرد تمسح و اتخاذ عاذرة و غطاء لستر عورة و سوأة العمل . دعك عما يضمره مسلسل الإنكشافات و التنازلات من استخفاف بالذات و بإمكانات الإصلاح و التغيير الكامنة فيها و في الظرف و السياق السوسيوتاريخي, وفي ذلك ما فيه من اضطراب في الحس التارخي و السياسي و خلل في قراءة المسلمات و المقدمات الشرعية والإيمانية و الواقعيية.

    ردحذف