الجيوش “تتناسخ” على جبهات القتال السورية.. من يقف خلف “جيش سورية الجديد” الذي يصعد نجمه بسرعة في الشرق السوري؟ ولماذا تنحصر مهمته في الحرب على “الدولة الاسلامية” فقط؟ وما هو دوره المستقبلي بعد اقتحام الرقة؟
جيوش وفصائل عديدة ظهرت واختفت على الساحة السورية طوال السنوات الخمس الماضية من عمر الازمة، حتى ان احدى الاحصاءات اشارت الى وجود اكثر من 1200 تنظيم مسلح في عام 2012، تتلقى دعما من جهات عديدة امريكية واوروبية وعربية، لكن الخريطة الميدانية تبدو مختلفة هذه الايام حيث انقرضت بعض الفصائل المسلحة، او اندمجت اخرى في تنظيمات اكبر مثل “الدولة الاسلامية”، “جيش الاسلام”، “جبهة النصرة”، “الجيش الحر”، “احرار الشام” والقائمة تطول.
“النجم” الاحدث على الساحة الميدانية السورية هو “جيش سورية الجديد” الذي بدأ يحتل العناوين الرئيسية هذه الايام، لخوضه معارك شرسة ضد قوات “الدولة الاسلامية” في منطقة دير الزور شرق سورية، ونجاحه في السيطرة امس على مطار الحمدان العسكري القريب من “البوكمال” المعبر الحدودي بين العراق وسورية.
من الواضح ان الولايات المتحدة الامريكية التي كثفت حربها ضد هذه “الدولة” في الايام والاسابيع الاخيرة، في الجانبين السوري والعراقي، باتت تعتمد في حربها في الجانب السوري على جيشين رئيسيين، الاول هو “الجيش الديمقراطي السوري” الذي يضم في غالبيته عناصر كردية من وحدات الحماية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة السيد صالح مسلم، الى جانب اقلية من العناصر العربية، اما الجيش الثاني فهو “جيش سورية الجديد” الذي يتشكل من عناصر عربية تنتمي في معظمها الى “جبهة الاصالة والتنمية” التابعة للجيش السوري الحر، وبعض العناصر السلفية المعارضة.
اللافت ان هناك توزيع ادوار للجيشين من قبل القيادة العسكرية الامريكية، التي تشرف على تدريب عناصرهما وتسلحهم بأحدث الاسلحة والعتاد العسكري، فبينما ركز “جيش سورية الديمقراطية” عملياته في الشمال السوري الغربي لقتال تنظيم “الدولة الاسلامية” حيث نجح في اقتحام مدينة منبج الاستراتيجية القريبة من المعبر الاساسي على الحدود التركية السورية، مما يعني قطع الامدادات العسكرية عن “الدولة الاسلامية” في المنطقة، يتولى “جيش سورية الجديد” مهمة محاربة هذه “الدولة” وقواتها في منطقة الشرق السوري، ومن غير المستبعد ان يتم استخدامه كحصان طروادة في عملية الهجوم على مدينة الرقة بدعم عسكري وغطاء جوي امريكي، وتسلم ادارتها في نهاية المطاف.
“العم” الامريكي الذي يمسك بخيوط اللعبة لا يريد لجيش “سورية الديمقراطية” ان يقوم بإقتحام الرقة لتجنب اثارة حساسية سكانها من العرب، ولذلك تم تشكيل “الجيش السوري الجديد” على عجل لتولي هذه المهمة، ولذلك لم يكن من قبيل الصدفة ان تكون ابرز عملياته استعادة مطار الحمدان بدعم انزال جوي امريكي لقوات خاصة من طائرات عمودية امريكية جنبا الى جنب مع الغطاء الجوي طبعا.
من المفارقة ان الجيشين المذكورين، “سورية الديمقراطية”، و”جيش سورية الجديد” تنحصر مهمتهما في الوقت الراهن على الاقل في محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”، اي عدم الانخراط في اي حرب ضد الجيش العربي السوري التابع للنظام، حتى ان اعلان تأسيس الجيش السوري الجديد اكد انه “نواة ولبنة للاجتماع حول مشروع سوري واحد ينكر الذات ويرفع العلم السوري، ولن يرفع بندقيته الا في سبيل الله في وجه العدو المتفق عليه، وهو داعش واخوانه”.
الجنرال خزعل السرحان “قائد جيش سورية الجديد” اكد في تصريحات “ان تنظيم داعش ونظام الاسد وجهان لعملة واحدة”، وهذا التصريح يؤكد تبني الخطاب الامريكي في هذا الصدد، اما الجنرال ستيف وارن المتحدث الرسمي باسم عمليات التحالف الدولي ضد “الدولة الاسلامية”، فقد اكد ان الدعم العسكري الامريكي سيتوجه الآن الى “جيش وسورية الجديد” في محاولة لعدم وضع كل البيض الامريكي في سلة قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية.
لا نعرف ما اذا كان هذا “الجيش السوري الجديد” المدعوم امريكيا وغربيا سيكون افضل حظا من “الجيش السوري الحر”، ويعمر طويلا بالتالي على الساحة السورية ام لا، واذا عمرّ فعلا هل سيكون هو البديل الامريكي الموازي للجيش العربي السوري في حال التوصل الى تسوية سياسية؟
من الصعب اعطاء اجابة واضحة على هذه الاسئلة الافتراضية، لكن ما هو لافت انه لم يصدر اي موقف رسمي واضح تجاه هذا الجيش الجديد من القيادة السورية العسكرية في دمشق، فهل هذا السكوت هو علامة الرضا، ام انه محاولة لعدم فتح جبهات جديدة في هذا الوقت الحرج؟
نرجح الفرضية الثانية، لان تقدم هذا الجيش السوري الجديد في شرق سورية، ونحو منطقة البوكمال على وجه التحديد في اطار الاستعدادات لاقتحام الرقة يأتي في اطار تنافسه مع الجيش العربي السوري لدخول مدينة الرقة عاصمة “الدولة الاسلامية” بعد نجاحه في استعادة مدينة تدمر.
نشم رائحة “طبخة ما” في ميدان المواجهات العسكرية على الارض السورية، نعرف بعض طباخيها، وبعض مكوناتها، ولكننا لا نعرف مآلاتها الاخيرة، ومن الحكمة التريث في جميع الاحوال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق