السودان يواجه “ثورة جياع” وشيكة مثل نظيرتها في الأردن وقطع العلاقات مع كوريا الشمالية ليس الحل.. والرهان على المساعدات الخليجية رهان خاسر للأسباب التالية
يواجه السودان ازمة اقتصادية خانقة بدأت تنعكس بشكل واضح على سياسته الخارجية، وعلاقاته العربية والدولية، وهذا ما يفسر قرارات الرئيس السوداني عمر البشير، المثيرة للجدل، مثل ارسال قوات سودانية للمشاركة في حرب اليمن تحت مظلة التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وقطع علاقات تاريخية مع ايران تضامنا مع الموقف السعودي بعد احراق سفارة الرياض في طهران، وأخيرا الإعلان عن قطع كل العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية في خطوة يعتقد الكثيرون انها جاءت توددا للولايات المتحدة الامريكية على امل ان ترفع اسم السودان من قائمة الدولة الراعية للارهاب.
وزارة الخارجية السودانية قالت في بيان لها اليوم انها تود التأكيد “ان حكومة السودان الغت جميع العقود بينها وبين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وأنهت اية علاقة معها مباشرة كانت او عن طريق طرف ثالث”.
لا نعرف طبيعة الاتفاقات الموقعة بين السودان وكوريا الشمالية في المجالات العسكرية، ولكن من المشكوك فيه ان تؤدي هذه الخطوة في احداث انفراج في الازمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان، التي تعود جذورها الى اسباب عديدة ابرزها استفحال الفساد، وسوء الإدارة، وارتفاع معدلات البطالة، والغلاء في بلد خسر ثلاثة ارباع عوائده المالية النفطية بعد انفصال الجنوب حيث الاحتياطات النفطية عن الشمال.
السودان يواجه ظروفا مماثلة لتلك التي أدت الى انفجار الاحتجاجات الشعبية في الأردن والاطاحة بحكومة هاني الملقي، مع بعض الفوارق ابرزها ان الثورة التي تهدد السودان هي ثورة الجياع وليس ثورة الطبقة الوسطى، مثلما هو الحال في الأردن، فمعدلات البطالة ارتفعت الى اكثر من 30 بالمئة وسط الشباب، والدولار اصبح يساوي 40 جنيها سودانيا بعد ان كان قبل اشهر سبعة جنيهات، وتراجعت الاستثمارات بشكل لافت.
الرئيس البشير راهن على المساعدات المالية القادمة من دول الخليج، والسعودية والامارات وقطر على وجه الخصوص، ولكن وضعه قدما في قطر وأخرى في معسكر مقاطعيها، أي السعودية والامارات، بدد الآمال او معظمها في هذا الصدد، لان الدول الخليجية لا تقبل بالمواقف الوسطى في الازمة الحالية، فاما انت معها او ضدها، ولهذا انكمشت المساعدات من الطرفين تقريبا، اما الاستثمارات التركية التي وعد بها الرئيس رجب طيب اردوغان اثناء زياراته مطلع هذا العام للخرطوم، فتحتاج وقت طويل حتى تعطي ثمارها.
نعود الى قرار الرئيس البشير قطع العلاقات مع كوريا الشمالية تقربا من الولايات المتحدة، وكسبا لودها، ونقول بأن هذه الخطوة تأتي في الوقت الخطأ، لان الازمة الكورية الشمالية الامريكية تتجه الى بعض الانفراج بعد مضي الطرفين قدما في القمة التي من المقرر ان تعقد بين رئيسي البلدين في 24 من شهر حزيران (يونيو) الحالي في سنغافورة، وربما تعطي نتائج عكسية تماما.
كوريا الشمالية وقفت مع السودان، وزودته بتكنولوجيا عسكرية دون مقابل، ولا تستطيع الحكومة السودانية اتهامها بنشر ايديولوجيتها في أوساط الشعب السوداني على غرار ايران التي جرى اتهامها بنشر المذهب الشيعي لقطع العلاقات معها، ولا نعتقد ان السودان سيحقق أي مكاسب بالإقدام على خطوة قطع العلاقات مع هذه الدولة التي تواجه حصارا أمريكا خانقا لانها ارادت ان تطور قدراتها النووية والصاروخية لتحقيق الردع الفاعل في مواجهة التهديدات الامريكية.
مشكلة السودان لا تنحصر في علاقاته مع ايران وكوريا الشمالية، وانما في الفساد وعقوق دول خليجية قلصت مساعداتها المالية له، وخفضت من حجم العمالة السودانية على أراضيها، تماما مثلما حصل مع الأردن، ونخشى ان يكون حاله حال الرجل الذي يذهب الى الحج والناس راجعة.
كان الله في عون السودان وشعبه في مواجهة ظروفه الصعبة العائدة بالدرجة الأولى الى السياسات المرتبكة والمتخبطة لحكومته، واستفحال الفساد، وما اقرب الشبه بين حاله وحال الأردن، ونأمل ان لا تكون النتائج والتبعات واحدة، خاصة ان ما تصلنا من معلومات تقول ان كيل الشعب السوداني طفح، وصبره بات ينفذ ان لم يكن قد نفذ فعلا.
“راي اليوم”
يا ملاعين دعونا في حالنا يا حلف الملالي
ردحذف