كما علّمتنا تونس الدرس الأول في الثورة، ها هي تقدم لنا الدرس الثاني في: كيف تدافع الثورات عن ذاتها ضد محاولات...
تعلقت الأبصار والقلوب بتونس، في انتخاباتها الرئاسية نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، فرصة أخيرة للاحتفاظ بالربيع العربي على قيد الحياة، وحلمت الجماهير بميلاد أمل جديد، في بلاد ثورة الياسمين الملهمة، يبقي على جذوة الحلم بالتغيير متقدة. وإذا كانت النتائج قد جاءت ضد الحلم العربي، ولم ينجح المنصف المرزوقي، ليذهب مقعد الرئاسة إلى الباجي السبسي، المنتمي لزمن ما قبل ثورات التغيير، فإن معسكر المؤمنين بالقيم الديمقراطية احترم ما جاءت به الصناديق، وامتثل لقواعد اللعبة السياسية، وبقيت التجربة التونسية أقل جراحا مما أصاب ثورات العرب في المشرق. من باب التكرار القول إن الربيع العربي ولد في تونس، واغتيل في مصر، واشتعلت به النار في اليمن وليبيا، وتعرّض للإبادة في سورية، إذ كانت تونس مهبط وحي الثورات، ومنها انبعثت شرارة الحلم بالتغيير، وانتقلت شرقاً إلى مصر، ثم استدارت ولمعت في ليبيا، لتعبر مجدداً إلى أقصى الشرق في سورية. وفيما انفردت تونس بمسار ثوري واضح ومستقيم، تعثّرت خطى الثورات في باقي دول الربيع، بعضها ضاع تحت سنابك خيول الانقلابات، وأخرى تعرّضت للوأد في المهد ولا تزال، كما هو الحال في سورية. كتبت في ذلك الوقت إن الهالات السوداء التي كست وجه ثورات الربيع، في كل الدول العربية، جعلت قلوب الجميع معلّقة، وأبصارهم موجهة إلى تونس، في ظل ارتفاع أمواج تنظيم الثورات المضادة الذي يهاجم شواطئ الربيع في كل العواصم العربية، غير أن الأهم في ما جرى أن تونس قدّمت أنموذجاً في القابلية لممارسة الصراع السياسي بشكل متحضّر وآدمي، يبشّر بأن زمناً عربياً ديمقراطياً جديداً يطلّ من كوّةٍ صغيرةٍ تشرف على ساحة الاستبداد الممتدة باتساع الخارطة العربية. تقدمت الدولة العميقة، غير أن القوة الممثلة للربيع لم تُسلم الراية، وأبقت على حصةٍ معقولة لها، أو بالأحرى حصة جيدة لأحلامنا في التغيير والديمقراطية والانعتاق من الماضي. والآن، يندلع الربيع في تونس مجدداُ، على نحو يحمل كثيراً من ملامح ما جرى قبل خمس سنوات، ويزدهر الغضب في شوارع المدن التونسية، بإصرارٍ على استكمال حلم التغيير، بعدما تبين للجميع أن ما طالبت به ثورة الياسمين لم يتحقق، وأن ما حصل كان إجهاضاً لأحلام الربيع، وإن كان ذلك قد تم في إطار ديمقراطي، أشاد به الكل. لا يتمنى أحد أن تحرق تونس ديمقراطيتها الرائدة، أو تنقلب على مخرجاتها، غير أن ذلك لا يعني أن يكون المطلوب من الجماهير أن تتنازل عن أحلامها التي أينعت في العام 2011، وتكاد تذبل وتموت الآن، بذريعة الاستقرار السياسي. يعطي الدرس التونسي الجديد إشارات ملهمة بأنه مهما بلغ الإنهاك بجمهور الثورات العربية، فإنه يبقى وفياً للقيم التي ثار من أجلها، وذاكراً للتضحيات والأثمان التي دفعها، وماضياً على طريق النضال، من أجل انتزاعها كاملة. والأهم من ذلك أن الحراك التونسي المتجدد يصفع مقاولي الانقلابات، والوكلاء الحصريين لتجارة الثورات المضادة، وكارهي الربيع العربي الذين نزلوا، بكل ثقلهم، لساحة الانتخابات الرئاسية التونسية، وفي مخيلتهم أن إسقاط المنصف المرزوقي يعني الإجهاز على الربيع العربي بشكل كامل، بحيث لا تقوم له قائمة، لا في تونس، ولا في غيرها. سارع الرئيس التونسي المنتخب الباجي السبسي للتعبير عن"تفهمه" الاحتجاجات المتنامية في مدن تونسية عديدة، مقراً بعدالة الأسباب الدافعة للغضب ومشروعيتها، وهذا جيد على مستوى الشعار، لكنه يبقى بحاجة ملحة إلى التطبيق، من خلال طريق وحيد، هو العودة الجادة، غير المراوغة، إلى مبادئ ثورة الياسمين وغاياتها، والإعلان الصريح عن كونها الإطار السياسي والأخلاقي الذي تتحرك داخله مؤسسة الحكم. تقول تونس، الآن، بوضوح إن الشعب لا يقبل بنصف ثورة، أو نصف ربيع، وتقدّم المثل والقدوة، مجددا، لمن يريد تعلم درس الثورات، وهي أنها، مهما تعرّضت للضربات، تبقى عصية على الترويض، أو العبث بجوهرها الإنساني. وكما علّمتنا تونس الدرس الأول في الثورة، ها هي تقدم لنا الدرس الثاني في: كيف تدافع الثورات عن ذاتها ضد محاولات إغراقها في أوهام الاستقرار الكاذب.
وبدأ الموسم من بﻻد الياسمين وفاح عطره في الشمال اﻻفريقية والشام واليمن والعراق والجزر البحرينية وكاد أن يصل الاقطار الخليجية لوﻻ ان الفلوس تصدت له وكادت أن تعقره في عقر داره بس مشكلة فلوس خلصت والربيع جدد
ردحذف