كما أن "دير ياسين" 48م تمثل عنواناً لشلال الدماء.. صارت "غزة" اليوم رمزاً لشلال جديد مازال ينزف!.
وبين عامي 48 و2014م مسافة ستة وستين عاما حافلة بشلالات الدماء على يد الإجرام الصهيوني من فلسطين إلى لبنان إلى غيرها من الأراضي العربية التي دنسوها. فمنذ ابتلاء منطقتنا العربية بالهمج الصهاينة، وفلسطين ولبنان تتآخيان في المجازر على أيدي تلك العصابات.
وأكاد أرى غزة المذبوحة اليوم ترتمي في أحضان جنين ودير ياسين ليلتقي الجميع عند "قانا" اللبنانية فتتعانق صرخاتهم.. وسط تدفق الدماء على امتداد أكثر من ستة عقود.. جريح يشد من أزر ذبيح ويبعث فيه الأمل.. وذبيح يقاوم الموت الغادر ويصر على الحياة فيبعث فينا بشائر النصر... وتزيد من بشائره ضربات المقاومة التي تذهل العالم وهي تحصد ضباط وجنود العدو كالعصف المأكول.
منذ بدايات النكبة كانت فلسطين على موعد مع شرار خلق الله الذين دنسوا الأرض المباركة، وكانت هدفاً لمذابحهم.
كان موعد فلسطين مع أول مذبحة يوم 6-3- 1937م في سوق حيفا حيث استشهد 18 مدنياً وأصيب 38 على يد عصابة "الإتسل". لكن موعد لبنان مع أول مذبحة كان في عام 1948م وهي مجزرة "مسجد صلحا" بالجنوب، وهو العام نفسه الذي وقعت فيه مجزرة دير ياسين رمز المجازر الصهيونية في فلسطين.
وسجلات التاريخ هي خزينة الذاكرة لمن أراد أن يتذكر أو يتعظ أو يستعد لقادم الأيام.. وهي تفضح دائماً كذب المزورين، وتشهد بالأرقام والوثائق بأن اليهود ارتكبوا في فلسطين أكثر من مائتين وخمسين مجزرة من العام 1937م حتى اليوم حيث تدور رحى أبشع مذبحة في "غزة" الصابرة الصامدة المظفرة بإذن الله.
وفي لبنان ارتكبوا من عام 1948م حتى العام 1996م عشرين مجزرة، بدأت بمجزرة "مسجد صلحا"، وكان آخرها مجازر: قانا الثانية.. وقرية.. مروحين.. وصور.. وبنت جبيل.. ومارون الراس.. وصريفا عام 2006م.. ثم عادت وتيرة المذابح لتتسارع يومياً على أرض فلسطين من الخليل و نابلس إلى غزة الصامدة، وما زالت الأنقاض تخبئ أخباراً مفجعة عن مذابح يشيب لها الولدان.. لكنها تفاجئ العالم بانتصارات للمقاومة تطير لها عقول الصهاينة وأزلامهم.
في السجل المتخم بالمذابح الصهيونية في فلسطين ولبنان أو مصر حيث مذبحة الأسري المصريين في حرب 1967م و مذبحة مدرسة بحر البقر في العام نفسه لم تشر الوقائع والبيانات المسجلة إلى أن مجزرة واحدة وقعت بطريق الخطأ وإنما جميعها تم التدبير له مع سبق الإصرار والترصد.. وليست هناك مجزرة واحدة وقعت بحق مقاومين أو مقاتلين وإنما كلها بحق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة منهم.. في الأسواق.. أو في القرى وهم نائمون.
وقد شهد أغلب تلك المجازر تمثيلاً بجثث الأطفال والنساء بعد قتلهم بطرق بشعة.. ففي مجزرة دير ياسين - على سبيل المثال - قتل الصهاينة من أبناء القرية260 شخصاً وألقوا بهم في بئر القرية بعد أن مثلوا بجثثهم.
وقد سجل مناحم بيجين رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق، ورجل السلام!! رؤيته عن تلك المجزرة التي افتخر كثيرا بالمشاركة فيها وقال في مذكراته عن المجزرة: (إن العرب دافعوا عن بيوتهم ونسائهم وأطفالهم بقوة... وكان لهذه العملية نتائج كبيرة غير متوقعة؛ فقد أصيب العرب بعد أخبار دير ياسين بهلع قوي فأخذوا يفرون مذعورين.. وهم يصرخون: دير ياسين!! فمن أصل (800) ألف عربي كانوا يعيشون على أرض إسرائيل (فلسطين المحتلة عام 1948م) لم يبق سوى (165) ألفاً، ثم عاب (بيجين) على من تبرأ من تلك المجزرة من زعماء اليهود، واتهمهم بالرياء! بقوله: "إن مذبحة دير ياسين تسببت بانتصارات حاسمة في ميدان المعركة.. فدولة إسرائيل ما كانت لتقوم لولا الانتصار في دير ياسين"!!
وغني عن البيان، فإن كل القادة الصهاينة الذين ارتكبوا المجازر بحق الشعب الفلسطيني أو اللبناني يتفاخرون بها، وقد نالوا جوائز قيمة من المجتمع الصهيوني إذ يخرجون من الجيش ليصبحوا قادة سياسيين للأحزاب أو للدولة، ونادرا ما دفع مسئول صهيوني الثمن عن مجزرة ارتكبها مثل بيجين وشارون وبيريز وغيرهم.. فقط يحاسبون ويحاكمون إذا فشلوا في تحقيق الهدف المطلوب وهو تحقيق الانتصار بعد الإبادة، وذلك ما فشل فيه أولمرت في حرب غزة (2008م) ويفشل فيه نتنياهو في الحرب الدائرة الآن.
لقد كانت مجازر الصهاينة على مدى التاريخ ضد أهلنا في فلسطين محاولة من القادة لشق الطريق إلى حكم الكيان الصهيوني على أشلاء أهلنا في غزة!
وجريمة المجازر الكبرى التي ارتكبها الكيان الصهيوني على امتداد التاريخ لا تقف عند حد القتل، وإنما تمتد إلى التشفي على قاعدة إبادة الحياة.. أي حياة في أي أرض يحل بها يهود.
الجمعة 25 يوليو 2014
بقلم: شعبان عبد الرحمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق