لم يعد مستورا أن القمطامع اى المسيطرة على جميع السلطات في العراق هي ثلاث، مجلس الحكيم، وحزب الدعوة، ومنظمة بدر التي هي كانت ولا تزال وستبقى الذراع المسلحة لمجلس الحكيم، حتى برغم أن إيران أمرت بفصلها عنه وتحويلها إلى جيش آخر، ثم، وبحجة الدفاع عن الوطن ضد داعش، أضافته إلى جيش آخر جديد أسمته الحشد الشعبي، بعد أن أضافت إليه ميليشيات إيرانية عراقية أخرى، لا ليكون ظهيرا للجيش العراقي ولا رديفا، بل رئيسا وآمرا وموجها ومخططا وصاحب الكلمة الأولى في جميع شؤونه وأسراره العسكرية.
ومن المعلومات المنسية أن فكرة الحشد الشعبي إيرانية خالصة سبقت ظهور داعش بكثير، وقد وردت على لسان نوري المالكي الذي بشر بولادته قبل عام من سقوط الموصل.
والجهود الإيرانية لاستكمال الهيمنة على العراق لا علاقة لها بداعش أيضا، لأنها بدأتها منذ أول أيام الغزو الأميركي، ولم تتوقف يوما واحدا. وقد جاء ظهور داعش ليعطيها الستار المناسب لمشروع استكمال توسعها في المنطقة انطلاقا من العراق.
وما جرى في المدن السنية على أيدي (مجاهدي حشدها الشعبي) معروف ويفسر الهدف المرسوم، ولا يحتاج إلى تفصيل. فقد قتلت من استطاعت قتله بحجة أنهم منتمون أو مساعدون لداعش، وهَجّرت من تخشى منه، وخصوصا الأسَر التي وجدت فيها شبابا ورجالا تتوقع أن يحملوا السلاح ضدها في قادم الأيام، ولم تسمح إلا بعودة الأسَر الضعيفة التي لا تخشى منها على مشروعها الاحتلالي الذي يسير نحو الاكتمال.
والعراق، على ألسنة كبار قادة الفريق العراقي الإيراني، ينبغي أن يصبح إقليما إيرانيا تحت مظلة السيادة الإيرانية.
وهذا ما يفسر غضبهم العارم على تواجد تركيا في بعشيقة، باعتباره اعتداء على ممتلكات دولة إيران، وسيادتها المطلقة.
وهو أيضا ما يفسر إصدار القضاء (المملوك) لنوري المالكي مذكرة إلقاء قبض على أثيل النجيفي بتهمة “التخابر مع دولة أجنبية” وهي تهديد ونذير لأي سني آخر قد يفكر في “العمالة” لغير إيران، والتي تُعتبر، وفق قانون مدحت المحمود، اعتداء غير مشروع على السيادة الإيرانية في الإقليم العراقي.
ومن كل هذه المقدمات يتكشف المطلوب من العراق، من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، وهو فتح حدوده مع سوريا (الإيرانية) للإطباق عليهما معا، وللالتحام بلبنان حسن نصرالله، ولتصبح اليد الإيرانية مطلقة التصرف في المنطقة.
ولكي لا نتعب في البحث عن جذور هذا الحلم الكبير، في ظل التساهل الأميركي الغريب العجيب مع حيدر العبادي، برغم أن نائب الأمين العام لميليشيا الخراساني التابعة للحشد الشعبي كشف حقيقة تابعية العبادي وحكومته لإيران، حين قال لوكالة “ميزا” الإيرانية إن “العبادي سلم قاسم سليماني جميع الملفات الأمنية وقيادة العمليات العسكرية بالبلاد”.
وإن “أغلب قيادات الحشد الشعبي هم من العراقيين الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية إلى جانب الحرس الثوري الإيراني، وإن دماء العراقيين التي سالت في تلك الحرب لم تخرج عن دائرة الدفاع عن ولاية الفقيه”.
من ناحيته أوضح نوري المالكي خارطة الزحف الإيراني المقرر للمنطقة العربية، في كلمة نشرها على صفحته على موقع فيسبوك قائلا “بصراحة، بعد كل الدماء التي سُفكت، وبعد كل الجهود التي كانت، أنا أرى، على مستوى مواجهة هؤلاء الإرهابيين، أن عمليات ‘قادمون يا نينوى’ تعني في وجهها الآخر ‘قادمون يا رقة’، ‘قادمون يا حلب’، ‘قادمون يا يمن’، قادمون يا كلَّ المناطق التي يقاتل فيها المسلمون مرتدين عن الفكر الإسلامي”.
ولكن الذي كان أكثر صراحة في تفصيل المشروع الإيراني هو جلال الدين الصغير الذي قال في حديث لصحيفة الوطن “إن نفط السعودية، (ويقصد أن المناطق النفطية السعودية في المنطقة الشرقية تتواجد فيها كثافة سكانية شيعية)، ونفط العراق وإيران وأفغانستان وأذربيجان وسوريا ولبنان بأيدينا”.
مؤكدا أن “إسرائيل والسعودية وقطر وتركيا مرعوبة من الوضع الإيراني، لأن الوضع الشيعي متماسك”.
وأضاف “أن المضايق الرئيسية في البحر الأحمر بأيدي الشيعة، حيث تسيطر جماعة الحوثيين على باب المندب، أما مضيق هرمز فهو بأيدي إيران”. وقال مُفسرا إن هذا يعني أن إيران وقت ما تريد التأثير على حركة الملاحة الدولية تقوم بذلك بمنتهى السهولة”.
وزاد قائلا “إن الإيرانيين موجودون في البحر الأحمر والأبيض المتوسط والخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي”.
و”إن إيران لديها القيمة الاستراتيجية، أما فيما يتعلق بالقيمة الميدانية، فإن حزب الله الآن في لبنان يسيطر على الميدان السياسي والأمني بطُوله وبعرضه”. وأوضح أن “الشيعة أقلية عددية، لكنهم أغلبية استراتيجية، وقطارات الكل نازلة، إلا الشيعة قطارهم صاعد”. وقد وضع الصغير عنوانا مثيرا لهذه التصريحات الشمشونية هو “نحن سادة العالم”.
هذا من الجانب العراقي الإيراني.
أما من الجانب الإيراني الأصلي ذاته فلم تتوقف تصريحات القادة الدينيين والعسكريين التي يباهون فيها بامتلاكهم سوريا والعراق ولبنان واليمن، وضِمنا فلسطين.
فقد نقلت وكالة فارس الإيرانية عن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري قوله إن “إيران هي من تقرر مصير سوريا، وإن الدول الكبرى لا بد أن تتفاوض مع إيران لتحديد مصير دول المنطقة، بما فيها سوريا”.
وكرر جعفري خلال كلمة ألقاها في برج “ميلاد” السبت في مراسم تكريم قتلى وحدة “فاتحين” التابعة للحرس الثوري في سوريا، تصميم نظام الولي الفقيه على استمرار التدخل العسكري وتوسيعه في دول المنطقة. كما أكد أن “القتلى الذين يسقطون خارج حدود إيران هم من أجل الدفاع عن الثورة الإسلامية والنظام”.
وقال إن “(المدافعين عن العتبات المقدسة) سيواصلون قتالهم حتى تحقيق الأهداف المنشودة للثورة الإيرانية في المنطقة”.
فيما قال الأمين العام للمجلس الأعلى للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية الإيراني، علي أكبر ولايتي، أثناء لقائه بعمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى والائتلاف الشيعي “نحن نرى أن الصمود الذي استمر لنحو سنتين بشكل بطولي من قبل الشعب اليمني يُعتبر وجها وضاء آخر من الصحوة الإسلامية، ويتعرض الشعب اليمني ليل نهار لعمليات القصف السعودي، لكن الشعب صمد ووقف بوجه هذه الاعتداءات وسوف ينتصر”.
وفند، في معرض رده علی سؤال لأحد الصحافیین، المزاعم التي تقول بأن إيران تشارك في عملیات الموصل بدبابات (تي 72)، ومنظومتي (شهاب وفجر)، فقال إن “ما یحدث خلال عملیات تحریر الموصل عبارة عن هجمات تشنّها الحكومة والحشد الشعبي ضد الإرهابيين وداعميهم”. وأکد، أن “تحریر الموصل أمر یعود إلی الحكومة والشعب العراقي فقط، ولا یحق لأي بلد التدخل في هذا الأمر المصیري”.
وأضاف أن “بعض دول المنطقة أو خارجها، عندما رأت أن الحكومة العراقیة قادرة علی دحر الإرهابيين في الموصل بدأت محاولاتها للتدخل في عملیات التحریر”. مشددا علی أن “هذا التدخل لیس بناء، ویُنذر بوجود دوافع (توسعیة) لدی هذه الدول”.
وبرغم كل هذه الإعلانات والتصريحات، والإنجازات الإيرانية الحقيقية على الأرض، في العراق وسوريا واليمن ولبنان، مازالت إدارة أوباما ودول غربية عديدة تساند، بقوة وتصميم، حكومة حيدر العبادي، وتلتزم باحترام (سيادة) العراق، حتى وهي تعلم علم اليقين بأن الذي يرأس الوزراء، والذي يأمر ويطاع في العراق اليوم ليس هو حيدر العبادي، ولا فؤاد معصوم، ولا سليم الجبوري. إنه فقط قاسم سليماني. أليس في ذلك ما يريب؟